المفهوم الاسلامي لعلاقة الانسان بالعالم الخارجي .
أن الاسلام لم يعتبر العالم الخارجي عدواً للانسان وشراً يجب الفرار منه والتجريد عنه وأنما أعتبره مجال كفاح الانسان ونموه وأزدهار طاقاته .
والقرأن الكريم حافل بالايات الكريمة التي يوجه فيها الله سبحانه وتعاله الانسان الى العالم ليكشفه ويتفاعل معه ويستفيد منه .
قال سبحانه وتعالى
( الم ينظروا في ملكوت السماوات والارض وما خلق الله من شئ )) وقال سبحانه : (( افلم ينظروا الى السماوات فوقهم كيف بيناها ومالها من فروج )) . وقال ايظاً (( اولم يروا الى الارض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم ))
فالعالم الطبيعي عند المسلم , هو مظهر قدرة الله تعالى وعظمته وهو مجال كفاح الانسان واستفادته لان العالم الطبيعي قد سخر للانسان (( وسخر لكم ما في الارض جميعاً)) والانسان هو خليفة الله تعالى في الارض .
(( واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة ))
وعلى الضد من هذا نجد موقف المسيحية من العالم الخارجي موقفاً سلبياً,لانها ترفض عالم الطبيعة وتعتبره شراً ورجساً وعاملاً من عوامل الهلاك الابدي للانسان وان الانسان ان يكافح في هذه الدنيا من اجل الخلاص والوسيلة الوحيدة للخلاص , هي التجرد عن الواقع ورفض العالم الخارجي والتخلص منه بأى ثمن , وبذلك اقامت المسيحية بين الانسان والعالم جداراً شاهقاً من الكراهية والخوف .
وقد اضطر الانسان الاوربي المعاصر الى ان يرفض الكنيسة نفسها ليتحرر من اسر هذه النظرة الى العالم ولكن النظم الفكرية التي اقام عليها هذا الانسان حياته الجديدة كانت نظماً غير انسانية لانها من أجل أن تصحح الشذوذ الذي اوجده المبشرون في الكنائس ,قد تطرفت هي الاخرى فاهملت الجانب الروحي من الانسان , وهو ما يجعل لحياة الانسان معنى وهدفاً وبدونه لا يكون الانسان كائناً متفرداً عن سائر الانواع الحيوانية ,ومن هنا غدا الرجل العصري , يجد نفسه في ورطة , فمذهبه الطبيعي قد جعل له ساطاناً على الطبيعة لم يسبق له مثيل , لكنه سلبه أيمانه في مصيره هو .
اما الانسان المسلم فهو مامن من أن يفقد أنسانيته , لان العقيدة الاسلامية لم تضح بكيانه الروحي في سبيل أن تيسر له المتاع المادي بل يسرت له أن يلبي اشواق الروح وحاجات الجسد حين أعترفت بثنائيته وعالجته على هدى هذه الثنائية .
ويتصل بالحديث عن موقف الاسلام من العالم الخارجي الحديث عن موقف الاسللام من الغرائز الانسانية فان الغريزة هي القوة الحيوية الدافعة التي تتلاشى بدونها الحركه .
ولئن عرفت الحياة بانها مجموعة الوظائف التي تقاوم الموت فان الغرائز من أهم ما يقوم باسباغ مظاهر الحياة على الكائن الحي , ومن هنا كان موقف الاسلام من الغرائز الانسانية موقفاً أيجابيا فلم يحاربها بل أعترف بها وهيا للانسان مجال التغير عنها قال تعالى (( يا ايها الذين امنوا لا تحرموا طيبات ما احل الله لكم )).
ولكن الاسلام اذا يعترف بالغرائز لا يبيح للانسان أن يستغرق في تلبية مطالبها بحيث يغدوا حيواناً لا يعني بما وراء المتاع الحسي , من اهداف الانسان العليا , وبحيث يغدوا كهؤلاء الذين وصفهم الله تعالى بقوله
( ان الذين كفروا يتمتعون وياكلون كما تاكل الانعام )) بل ان الاسلام يدعو المسلم الى أن يوازن بين المتاع الروحي والمادي في حياته : قال تعالى (( وابتغ فيما اتاك الله الدار الاخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا )).
هذا في الاسلام اما في المسيحية حوربت الغرائز الانسانية , ولم يسمح للانسان بالتعبير عنها , فالتعبير عن غريزة الجنس وغيرهما ,اثم عظيم وليس عسيراً علينا بهد هذا ان نعرف لماذا رفض الانسان الاوربي المعاصر المسيحية كدين ذى اثر في واقع الحياة .
واما في الحضارة الحديثة , فقد اطلقت الغرائز من عقلها وكان من النتائج التي نشات من نظرية دارون تزلزل الايمان برفقة الانسان وسموه وروحانيته حيث اوحت هذه النظرية بما اشتملت عليه من احكام قاطعة, وتعميمهات تجافي الروح العلمية أوحت بان الانسان لا يختلف عن سائر الفصائل الحيوانية واذان فلا مبرر لفرض سلوك معين عليه , يتسم بالطهارة والنقاء وكان عاقبة ذلك أن الانسان الاوربي المعاصر مغرقاً في حيوانية ومادية .
اما الاسلام فهو الدين الذي اتاح للانسان أن يتمتع بحياته من غير أن يضيع أتجاهه الروحي , وبهذا كان الاسلام الدين الانساني الوحيد بين العقائد والاديان .
وشكراً