إن للصبر أفضالا لا يعلمها إلا الله من درجات فى الدنيا والآخرة ومما قاله شيخ الإسلام فقد قرن الله بين الصبر والإيمان والعمل، حيث قال في سورة العصر «والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر»، ولهذا قال الشافعي رحمه الله «لو لم ينزل من القرآن الكريم إلا هذه السورة لكانت كافية وحجة على الأمة».
وتعريف الصبر لغة: هو الحبس والكف، قال تعالى «واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي..» الآية، أي احبس نفسك معهم.
واصطلاحا: حبس النفس على فعل شيء أو تركه ابتغاء وجه الله قال تعالى «والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم»
والدليل على ذلك أن كثيرا من الخلق يسهل عليهم الصبر على المصائب والبلايا وعن المعاصي، ولكن قليلا منهم من يصبر على طاعة الله عز وجل، بل من الناس من يصبر على المعاصي ويتحمل من أجلها ما لا يتحمل معشار معشاره على طاعة الله عز وجل.
أنواع الصبر: صبر على الطاعة، وصبر عن المعصية، وصبر على أقدار الله،
قال لقمان يوصى ابنه كما جاء فى القرآن الكريم «يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور»،
واستخرج العلماء أنواع الصبر من هذه الآية كما يلى: أقم الصلاة وأمر بالمعروف صبر على الطاعة، وانه عن المنكر صبر عن المعصية، واصبر على ما أصابك صبر على أقدار الله، وبعض العلماء صنف الصبر كما يلى: صبر لله أى لا تبتغي إلا وجه الله فيه، صبر مع الله أي مع أوامر الله أي يقبل كل ما يرضي الله، وصبر بالله أي لتتيقن أن الصبر من الله وإن لم يصبره الله فلن يستطيع الصبر، والصبر لا يكون على المصائب فقط بل على النعم أيضا وهو بعدم الركون إليها والاغترار بها والمبالغة في استخدامها وأداء حق الله فيها.
فوائد وثمار الصبر: مضاعفة الأجر والثواب، «إنما يوف الصابرون أجرهم بغير حساب».
تعليق الإمامة فى الدين على الصبر: «وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا»، معية الله: «إن الله مع الصابرين»، وللصبر مواقع عدة فى حياتنا اليومية، فالعفة: صبر عن شهوة الفرج والعين المحرمة، وشرف النفس: صبر عن شهوة البطن، وكتمان السر: صبر عن إظهار مالا يحسن إظهاره من الكلام، والزهد: صبر عن فضول العيش، والقناعة: صبر على القدر الكافي من الدنيا، والحلم: صبر عن إجابة داعي الغضب، والوقار: صبر عن إجابة داعي العجلة والطيش، والعفو: صبر عن إجابة داعي الانتقام، والجود: صبر عن إجابة داعي البخل، وهذا يدلك على ارتباط مقامات الدين كلها بالصبر، لكن اختلفت الأسماء واتحد المعنى، ومن هنا ندرك كيف علق القرآن الكريم الفلاح على الصبر وحده «وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا»، «أولئك يجزون الغرفة بما صبروا، ويلقون فيها تحية وسلاما»، «سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار».
عناية القرآن الكريم البالغة بالصبر إلى ما له من قيمة كبيرة في الحياتين الدنيا والأخرى، فليس هو من الفضائل الثانوية، بل من الضرورات اللازمة التي لا انفكاك للإنسان عنها ، فلا نجاح في الدنيا ولا نصر ولا تمكين إلا بالصبر، ولا فلاح في الآخرة ولا فوز ولا نجاة إلا بالصبر، والله أعلم.
محمد الأحمد
نقلآ عن جريدة عكاظ